Banner 468

السبت، 4 يناير 2025

إعادة تشكيل الدبلوماسية العامة: دور وزارة الدفاع الأمريكية في دعم الدبلوماسية العامة في العصر الحديث

 هذا المقال دراسة أكاديمية عن جامعة كارولاينا الشمالية، فهو بحث متخصص أكاديمي منشور في جامعة فليس هو من قبيل الأخبار ولا الآراء ولا نظريات المؤامرة، بل بحث علمي للمتخصصين ويقدم توصيات للحكومة الأمريكية.

قام بترجمته أحد أعضاء الصفحة الكرام منذ عدة سنوات وقمنا بمراجعته وتأخرت كثيراً في نشره، فلما أردت نشره وجدت المقال الانجليزي الأصلي قد حذف من موقع الجامعة! وقد كان المقال كاملاً على هذا الرابط:

http://www.unc.edu/depts/diplomat/item/2011/0104/comm/greensapn_pduniform.html

وحتى لا يتهمنا أحد باختراع المقال يمكنك فتح جوجل وعمل كوبي (نسخ) للرابط السابق وبيست (لصق) في بحث جوجل سيظهر لك تعليقات كانت على المقال، مما يدل على أن المقال كان موجوداً في السابق.

وقد قمنا بعمل نسخ للمقال الانجليزي الأصلي المحذوف ورفعناه في صورة pdf يمكن تحميله من خلال الرابط:

https://archive.org/details/public-diplomacy-reform-original-article

ويمكن تحميل هذا المقال العربي المترجم من خلال الرابط:

https://archive.org/details/20250105_20250105_1730

قام بالترجمة عضو الصفحة الكريم الأستاذ ابراهيم جمال، نتقدم له بجزيل الشكر والامتنان. وقمت بمراجعة الترجمة والتعديل، وإضافة بعد التوضيحات يجدها القارئ الكريم بين قوسين باللون الأزرق.

البحث لـ: ريتشيل جرينسبان  Rachel Greenspan

:الترجمة

إن ضرورة الخوض فى حرب الأفكار ضد التطرف وفي معركة كسب القلوب والعقول أدت إلى حاجة متزايدة لأن يشارك البنتاغون في دعم جهود الدبلوماسية العامة.

فالمعارك الطويلة في الخارج مثل المهمة العسكرية المستمرة في أفغانستان جعلت التواصل مع السكان المحليين جزءً ضرورياً لإنجاز المهام العسكرية. بالإضافة إلى ذلك فإن تصنيف العراق وأفغانستان كمناطق غير آمنة أو مناطق صراع نشطة صَعَّب الأمور بالنسبة لوزارة الخارجية الأمركية للقيام بمهامها المعتادة مثل "الدبلوماسية العامة" دون الحماية والدعم العسكري.

منذ إلغاء وزارة الاستعلامات الأمريكيةUSIA  في سنة 1999م، وبعد أحداث 11 سبتمبر أصبح البنتاغون أكثر انخراطاً في نشاطات الدبلوماسية العامة. ولا يزال هناك جدال قائم (debate) حول ما إذا كان الأفضل أن يتم تمثيل الأمريكيين في الخارج عن طريق أشخاص في زي مدني أم بواسطة جنود في زي عسكري مسلح.

هناك ثلاث أنشطة لوزارة الدفاع الأمريكية يمكن اعتبارها متداخلة مع الدبلوماسية العامة Public Diplomacy (PD) وهي:

العمليات المعلوماتية IO، والعمليات النفسية PSYOP ، والشئون العامة PA.

تهتم هذه الورقة البحثية ببرامج وزارة الدفاع الأمريكية التي يمكن اعتبارها جهود ضمن الدبلوماسية العامة، وبتحليل كيف تتلاءم مع تفويض مهام الدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية الأمريكية، وتسعى لفهم لماذا تقوم وزارة الدفاع بالمشاركة في هذه الأنشطة وما هي مهمتها ومن هو الجمهور المستهدف، ويناقش البحث هل ينبغي أم لا ينبغي لوزارة الدفاع التدخل في الأنشطة المتعلقة بالدبلوماسية العامة.


الصورة من أفغانستان

التواصل العسكري مع الجماهير الأجنبية :

يستخدم الجيش الأمريكي عدة وسائل للتواصل مع الجماهير الأجنبية من أجل تعزيز مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وهذا يتضمن :

1.     العمليات المعلوماتية.

2.     العمليات النفسية.

3.     الشئون العامة.

و هذة الأنشطة كلها تندرج تحت مفهوم شامل هو: (الاتصالات الاستراتيجية) ويمكن تعريفها كما يلى :

"الاتصالات الاستراتيجية هي تركيز جهود حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لفهم وإشراك جمهور معين يستطيع خلق وتعزيز أو الإبقاء على ظروف معينة مفضلة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز مصالحها وسياساتها وأهدافها".

تم تطوير مفهوم الاتصالات الاستراتيجية في غضون آخر 10 سنوات -نشر هذا المقال في 2011 - بواسطة قيادات عسكرية مثل الجنرال بيتراوس والذي أدرك أن الحرب على الإرهاب لا يمكن كسبها بالسلاح فقط.

تعد الاتصالات الاستراتيجية عملية تعليمية الغرض منها الاستفادة من قيمة العلاقات والتعلم التجريبى وغير ذلك من العوامل التي تؤدي إلى التواصل الحقيقي والفعّال مع الجماهير الأجنبية.

بالصورة كوماندو سولو Commando Solo إحدى طائرات البث التابعة للقوات الجوية الأمريكية

ومن المثير للاهتمام أن هذا النوع من النشاط العسكري لم يتم تنفيذه في مناطق النزاع والحروب فقط ولكن تم استخدامه أيضاً لإحباط النزاع فى مناطق أكثر سلمية.

وفي مقابلة مع مارك دايفيدسون أحد كبار ظباط الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الخارجية، والذى شارك عن كثب فى مناقشات وزارة الدفاع بخصوص تقديم جهود الدبلوماسية العامة عن طريق المدنيين أم عن طريق العمليات المعلوماتية العسكرية، تم سؤاله عما إذا كان الأفضل لمصلحة الولايات المتحدة أن يتدخل الجيش في معارك مع المدنيين في مناطق حول العالم خارج مناطق النزاع، فأجاب: "أعتقد أن لا أحد يشكك في حقيقة أن وزارة الدفاع تتدخل في الحروب بمناطق النزاع وتتعامل بطرق ضرورية لكسب الحرب، أما في المناطق حيث لا أحد يسبب لنا أي مشاكل أو يعادينا فعلى الغالب تتدخل وزارة الدفاع بأعمال قليلة".

ومن وجهة نظر عسكرية يقول العقيد ستيفين بيركنز أن التواصل العسكري مع الجماهير الأجنبية يمكن أن يكون بمثابة مُضاعِف لقوة غير حركية يمكن أن يساعد في تخفيف أو حتى حل التحديات الناشئة.

العمليات المعلوماتية:

العمليات المعلوماتية تخدم كمظلة لعدة قدرات عسكرية تتضمن: الحرب الالكترونية، وعمليات شبكة الحاسوب، والعمليات النفسية، وأمن العمليات، والخداع العسكري.

تعد العمليات المعلوماتية مفهوماً تنسيقياً وليس قدرة بحد ذاتها. 

العمليات المعلوماتية الناجحة تقوم بالتنسيق وتعمل على تفادي التداخل بين قدرات مختلفة لدعم مهمة عسكرية.

الغرض من العمليات المعلوماتية هو التأثير على القرارات وعمليات اتخاذ القرار باستخدام الضغط أو الزعزعة أو الإفساد أو الاستيلاء. (ضد الدولة المراد التأثير على سيادتها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية).

الهدف الرئيسي من العمليات المعلوماتية وجهود الدبلوماسية العامة، تحديد العوامل الثقافية والسياسية التي يمكنها التأثير على الرأي العام.

وهناك فرق أساسى بين العمليات المعلوماتية والدبلوماسية العامة هو أن الهدف خلف التدخل العسكري عن طريق العمليات المعلوماتية هو "تحقيق نجاح المهمة" (أي يكون هدف محدد قصير المدى)، أما الدبلوماسية العامة فعلى النقيض من طبيعة هدف العمليات المعلوماتية العسكرية حيث غالباً تتضمن أنشطة تثقيفية وتعليمية موجهة لتحسين العلاقات على المدى الطويل بطرق أقل وضوحاً مثل تعزيز فهم القيم الأمريكية التي يمكنها أن تساعد في العلاقات الخارجية أثناء الأزمات المستقبلية، وتعتبر العمليات المعلوماتية تدفق معلوماتي ذو اتجاه واحد، وذلك يحد من فرص الحوار والخطاب مع الجماهير المحلية، بينما يعد هذا الحوار جزء لا يتجزأ من الدبلوماسية العامة. (العمليات المعلوماتية تعتمد على توجيه معلومات محددة لخدمة الأهداف الأمريكية، أما الدبلوماسية العامة تعتمد على الحوار والنقاش وتبادل المعلومت للتأثير على المدى الطويل).

فى السنوات العشر الماضية، حظت العمليات المعلوماتية بالإهتمام.

في عام 2006 تم تعديل عقيدة العمليات المعلوماتية بحيث تهدف إلى إضافة دعم وزارة الدفاع للدبلوماسية العامة وتوضيح دور العمليات العسكرية المدنية فى هذا المجال، رغم أنه لا زال لا يوجد وظائف ضباط عمليات معلوماتية يشغلون رانك flag officers إلا أن الأدميرال جريجوري سميث ضابط الشئون العامة في البحرية الأمريكية مُنح نجمة ثانية وتمت ترقيته مؤخراً ليصبح نائب للجنرال بترايوس، وجزء من مسؤولياته تولي إدارة العمليات المعلوماتية في أفغانستان.

العمليات النفسية – الحرب النفسية PSYOP (عمليات دعم المعلوماتية العسكرية):

هي العنصر الأساسي في العمليات المعلوماتية الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدبلوماسية العامة، رغم أنهما يختلفان في نواحي هامة.

تُعرَّف العمليات النفسية بأنها: "عمليات مخطط لها لنقل معلومات صادقة مختارة ومؤشرات لجماهير أجنبية للتأثير على مشاعرهم ودوافعهم ومنطقهم وفي نهاية المطاف يؤثر ذلك على أداء حكوماتهم، ومنظماتهم، وجماعاتهم، وأفرادهم".

وبصفة عامة الهدف من العمليات النفسية هو:

1.     توصيل معلومات للقيادة الرئيسية (للدولة المستهدفة) لردع أي سلوكيات تنتهك مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

2.     استهداف شعب أجنبى معين لفصلهم عن قيادات دولتهم وحكوماتهم المعادية لمصالح الحكومة الأمريكية ولبناء ضغوط داخلية.

وللوهلة الأولى تبدو الدبلوماسية العامة والعمليات النفسية أنشطة متداخلة إلى حد كبير، فكلاهما يسعى لاستخدام الإعلام والمطبوعات ووسائل الإعلام الأخرى للوصول إلى الجمهور الأجنبي المستهدف، أما من ناحية التطبيق العملي فيتباعد النشاطان في بعض النقاط الرئيسية كما يلي:

1.     تهدف العمليات النفسية للتأثير في الرأي العام لتوجيهه في اتجاه معين يُحدث تقدم في المصالح الامريكية. الدبلوماسية العامة على النقيض من ذلك تركز على أهداف أوسع مثل الحوار والتبادل الثقافي وتصحيح المفاهيم الخاطئة،  فهي تهدف إلى التعليم والإخبار بشكل عام بدلاً من توجيه الرأي العام في اتجاه معين. (أهداف العمليات النفسية محددة وقصيرة المدى بينما أهداف الدبلوماسية العامة تهدف إلى تغيير وعي شعب على عدة مراحل الذي سيؤدي بدوره لتغيير جذري على المدى الطويل عن طريق ضغط الشعب على القيادات أو عن طريق خروج فئات من الشعب الذي تم تغيير وعيه تعمل لصالح المصالح الأمريكية).

2.     العمليات النفسية موجهة لمنطقة محددة أو جمهور معين لحسم نجاح مهمة ما، بينما الدبلوماسية العامة تستهدف دولة كاملة أو منطقة بأسرها.

3.     العمليات النفسية تعني بنشر معلومات بخصوص مواضيع محددة لحسم نجاح مهمة محددة، بينما الدبلوماسية العامة تهتم بطرح مجموعة واسعة من القضايا التي تتعلق بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية مثل: سياسات التجارة، والصحة العامة، والعلاقات الخارجية، والتعليم.

4.     العمليات النفسية تتميز باختلاف تصنيفها تبعاً لدرجة الخطورة والسرية بينما لا يتوافق ذلك مع السلوك المفتوح والعام للدبلوماسية العامة.

في عام 2010 تم تغيير مصطلح العمليات النفسية رسمياً إلى "عمليات دعم المعلومات العسكرية" MISO. قرار تغيير المصطلح كان بناءً على الدلالات السلبية لمصطلح "العمليات النفسية" إضافة إلى أن هذا المصطلح لم يكن كافياً ليشمل كل مهام العمليات النفسية، على سبيل المثال البث العسكري عقب زلزال هاييتي لإخبار الناس عن أماكن الحصول على الطعام كان من ضمن العمليات النفسية.

 

أشار الكولونيل أيرز Ayers أن تغيير الاسم لم يكن له تأثير على تغيير النشاطات نحو الجمهور الأجنبي المستهدف، وأنه من غير المحتمل أن يحظى بقبول بعض من القيادات العسكرية القدامى.

 

الشؤون العامة Public affairs :

 

الشؤون العامة يمكن أن توجه إلى كل من الجماهير الداخلية والخارجية التى تتفاعل مع وزارة الدفاع الأمريكية. السمة المميزة للشؤون العامة هي الحفاظ على المصداقية من حيث القدرة على توصيل موضوعات ورسائل وزارة الدفاع بوضوح ومواجهة المعلومات المضللة والمفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية.

 

لاحظ الكولونيل كارل أيرس Carl Ayers أن الدبلوماسية العامة هي الحديث والاستماع، فى حين أن الشئون العامة هي الوقوف خلف منصة لإعطاء الآراء، ولكي تكون الشئون العامة فعالة يجب أن تكون شاملة وأن تتحلى بالصبر وأشار إلى أن هذه من نقاط القوة الخاصة بالجيش الأمريكي. 


بالصورة: إحدى طائرات الجيش الأمريكي في صحراء العراق.

 

مجال الشؤون العامة داخل الجيش الأمريكي تعرقل بسبب العجز في التدريب وعدم وجود فرص مهنية في هذا التخصص.

في خطاب سنة 2006 أشار وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد أن مسؤولي الشئون العامة العسكريين يفتقرون إلى التدريب في مجالات الإعلام الرقمي والبث الإذاعي، وعلق أيضاً أن أعمال الشئون العامة لم تعتبر معزز للارتقاء الوظيفي داخل الجيش؛ نظراً لأن التعامل مع نظرة إعلامية غير مفضلة قد يلطخ سمعة شخص ما، فكانت النتيجة أن مجال الشئون العامة ظل في وضع ثابت لا مجال فيه للابتكار وتحمل المخاطر.



صورة لأحد ضباط الشئون العامة للجيش الأمريكى في العراق

يعتبر التدريب جزءً أساسياً لضمان فعالية الشئون العامة وحتى السهو غير المقصود يمكن أن يضر بمصداقية الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال: أحد الضباط في وزارة الإستعلامات الأمريكية السابقة USIA انتقد الجيش الأمريكي لدفعه أكثر من 300 مليون دولار للصحفيين العراقيين ليكتبوا مقالات فى الصحف المحلية لدعم مصالح الولايات المتحدة، وأشار أنه لم يدفع قط لأي من وسائل الإعلام الأجنبى لأن هذا سيعرض مصداقيته للخطر مع الجهات التي يتصل بها في الإعلام العراقي المحلي. وهذا النوع من التصرف حتى وإن تم بغير قصد يتعدى كل الحدود بين الإعلان أو حتى الدعايا والشؤون العامة.

تعريف الدبلوماسية العامة Public Diplomacy:

أشار وزير الدفاع روبرت جيتس أن الأمر سيتطلب تراكم النجاحات الهادئة على فترات طويلة لتشويه سمعة وهزيمة الجماعات المتطرفة وأيدلوجياتها. وأقر بأن المفتاح لهذه النجاحات هو أن تتم عن طريق استخدام القوة الناعمة والخشنة (العسكرية)، وأن الدبلوماسية العامة أداة قوية للقوة الناعمة فهى مساعد للدبلوماسة التقليدية ومجال متخصص يحتاج أن يتم تنفيذه بعناية عن طريق محترفين مُدربين.

يوكل القانون الأمريكي The US Code of Law (USC) القيام بمهام الدبلوماسية العامة إلى وزارة الخارجية تحت البند 22، في حين أن الأنشطة والموازنة العسكرية تخضع للبند 10 في القانون.

ولأن وزارة الدفاع ووزارة الخارجية يعملان تحت سلطات موازنة منفصلة، فإن تمويل مهام الدبلوماسية العامة يتم تحديده بشكل منفصل، حتى لو تداخلت مهام الدبلوماسية العامة بين وزارتي الدفاع والخارجية في التطبيق العملي.

ينص البند 22 في القانون على أنه يجب على وزير الخارجية أن يجعل الدبلوماسية العامة جزءً رئيسياً من السياسة الأمريكية الخارجية، كما ينص على العمل جنباً إلى جنب مع مجلس محافظي البث الإذاعي لوضع استراتيجية شاملة لاستخدام موارد الدبلوماسية العامة ووضع أهداف قياسية طويلة المدى.

وينص البند 22 في القانون على أن جهود الدبلوماسية العامة لابد أن تشمل:

"استهداف الدول المتقدمة والنامية على السواء واستهداف جمهور محدد وعام، باستخدام وسائل الإعلام المناسبة لتوضيح السياسة الخارجية للولايات المتحدة لحكومات وشعوب الدول المستهدفة، على أن يكون الهدف هو زيادة الدعم لسياسات الولايات المتحدة وتقديم الأخبار والمعلومات".

هناك تعريفات أخرى للدبلوماسية العامة: كالتعريف الذي وضع في سنة 1997 بواسطة وكالة الاستعلامات الأمريكية USID: "تجاوز مهام الخارجية الأمريكية لتشمل المطامع الأمريكية وتطوير علاقات طويلة الأمد".

كراولي المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية السابق

نقاط قوة الدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية الأمريكية:

تعد الثقافة تحدي وعامل رئيسي في التواصل الفعال، حيث أن فهم اللغة، والسياسية الإقليمية والتنمية يتطلب الاستثمار طويل المدى لفهم الثقافات الأجنبية، ويشمل ذلك مساعدة خبراء وأساتذة وموظفي الدبلوماسية العامة بالإضافة للقطاع الخاص، ودون هذه القدرة الدقيقة فنحن فقط نطلق الضجيج. قال مارك ديفيدسون Mark Davidson مسؤول الشئون العامة التابع لوزارة الدفاع الأمريكية في باكستان حالياً (2011 وقت نشر المقال): "نحن نظن أننا دقيقين كأي رمح تطلقه وزارة الدفاع بحِرَفية في هذا العصر".

الدبلوماسية العامة كما تم ممارستها من قَبل بواسطة وكالة الاستعلامات الأمريكية USIA والآن من قِبل وزارة الخارجية لها عديد من الخصائص الهامة:

1.     لديها القدرة لبناء علاقات طويلة الأمد، والعمل على أفق زمني مختلف عن المهمات العسكرية.

2.     بينما هناك تداخل لمهام الدبلوماسية العامة التابعة لوزارة الخارجية بمهام العمليات النفسية التابعة لوزارة الدفاع، فإن الدبلوماسية العامة تركز على بعض المجالات مثل التبادل الثقافى والبرامج اللغوية اللتان لا تتمان أبداً بواسطة وزارة الدفاع.

3.     تقوم بتنفيذ وتبليغ أسلوب معين إلى وسائل الإعلام والبث الإذاعي كما تقوم بنشر القيم والثقافة الأميركية التي يتم صنعها خصيصاً لتعزيز الحوار والتفاهم في مجموعة متنوعة من القضايا لجمهور واسع.

وهناك فائدة كبيرة في اعتماد أنشطة الدبلوماسية العامة على وزارة الخارجية، وهي أن وزارة الخارجية ليست قلقة من إيجاد "استراتيجية للخروج". سواء كانت ستة أشهر أو سنة أو ثمانية عشر شهراً في المستقبل، فإن أعمال الدبلوماسية العامة تستمر دون انقطاع. بالإضافة إلى ذلك فإن وزارة الخارجية الأمريكية تدعم جميع السياسات الخارجية للولايات المتحدة من المعاهدات التجارية، والتنمية الاقتصادية، وحقوق الإنسان. وهذه القدرات المعقدة والعميقة لا يمكن دمجها في حل خاص بالعمليات المعلوماتية العسكرية.

الإعلام المطبوع والتلفزيوني:

غالباً ما تتواصل وزارة الخارجية الأمريكية مع الجماهير الأجنبية عن طريق وسائل إعلامهم المحلية حيث يتولى مسئول الشئون العامة في السفارات الأمريكية زمام العلاقات الإعلامية: فيقدم نصوص الخطابات العامة، والتصريحات، والمقالات أو المقالات الافتتاحية
إلى مكتب الشئون العامة
PAO كجزء من عملية الموافقة.

من منظور وزارة الخارجية، فإن العلاقات الوثيقة بالصحفيين والمراسلين المحليين تعود بالفائدة على كلا الجانبين. توفير معلومات دقيقة وأخبار صادقة لمصادر الأخبار المحلية يعزز العلاقات بين الإعلاميين وطاقم عمل السفارة الأمريكية. بالإضافة إلى أن أسئلة الصحفيين قد تكون دليلاً على ماهية الرأى العام مما يساعد على إحاطة طاقم عمل السفارة بالرأي العام.

هناك مقال بإحدى الجرائد من سنة 2008 يقترح أن تقوية جهود الاتصالات المحلية وإشراك الإعلام الأجنبي للتأثير على التغطية الإعلامية للولايات المتحدة يجب أن يكون من أولويات جهود الدبلوماسية العامة.



نظرة مقارنة في أساليب الإعلام:

إلى أي مدى يمكن أن تصل العلاقة مع الإعلام الأجنبي دون أن تكون وثيقة لدرجة تهدد المصداقية؟ بعض تفاعلات وزارة الدفاع مع الإعلام الأجنبى هي التي دفعت للحد من ذلك. مارك وايتهاوس Mark Whitehouse مدير المبادرات الإعلامية  لمنظمة IREX - تم منحه 1.69 مليون دولار مقابل الاستشارة الصحفية في العراق - يقول: "في رأيي وزارة الدفاع ليست المقاول المناسب للتطوير الإعلامي. فلديهم أمور العمليات النفسية ليهتموا بها والتطوير الإعلامي شيء مختلف تماماً". 

أحد التحديات في التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية هو أن يبدو التعاطي مع الأمور محايد وموضوعي. على سبيل المثال، قبل غزو العراق في 2003 بمدة بسيطة بدأت وزارة الدفاع في صناعة خطة لإنشاء إعلام حر في العراق بعد الغزو. فتم تعيين روبرت رايلي Robert Reilly المديرالسابق لصوت أمريكا VOA ليكون مديراً لمشروع شبكة الإعلام العراقي IMN. واجه المشروع مشاكل في مصداقيته لأن الشبكة غطت فقط مؤتمرات حكومة الائتلاف المؤقتة وغطت أخبار أخرى قليلة تكاد تكون منعدمة، وفي هذه الأثناء كان الكونجرس يواجه مشاكل للتفرقة بين أهداف شبكة الإعلام العراقي ومجلس محافظي البث الإذاعي، ضمن هذا المشروع تم إنفاق 100 مليون دولار في السنة للبث في الشرق الأوسط عن طريق راديو سوا وقناة الحرة. وفي هذا السياق، كان يبدو أن التواصل مع الجماهير الأجنبية يتم عبر قناة الحرة وراديو سوا تحت إشراف مجلس محافظي البث الإذاعي وخبراء الدبلوماسية العامة.

هناك بالتأكيد قصص نجاح لجهود وزارة الدفاع في التواصل مع الجمهور، فعلى سبيل المثال عندما أعلن مؤيدى مقتدى الصدر أنه سيكون هناك مسيرة مليونية لدعم قائدهم، تم تغطية الجيش الأمريكي للحدث وتسجيله بالفيديو وأُرسل لوسائل الإعلام المحلية، واستطاعوا تصوير أنه لم يكن هناك سوى 10 آلاف شخص فقط وأن أغلبهم كانوا لا يحملون صور لمقتدى الصدر بل يحملون العلم العراقي.

المراكز الثقافية وبرامج التبادل التعليمي:

تعتبر المراكز الثقافية، والمراكز الأمريكية، وبرامج التبادل التعليمي مثل برنامج فولبرايت Fulbright، أدوات فعالة للدبلوماسية العامة ولا تندرج تحت أي من مهام وزارة الدفاع، حيث تعتبر هذه البرامج برامج بناء علاقات على المدى الطويل فلا ترتبط بضرورة التحقيق السريع للمهمة. العمليات النفسية يقصد بها التأثير، بينما المراكز التعليمية والتثقيفية تندرج تحت مهام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID ووزارة الخارجية DOS.

وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة السابقة مكهيل McHale تقص شريط افتتاح مركز أمريكي جديد في جاكرتا - أندونسيا

المراكز الأمريكية التي يعمل بها موظفون أمريكيون تتواجد لتوفير المواد التعليمية والتثقيفية واللغوية للجماهير الأجنبية.

تساءل مارك دايفيدسون الموظف بالخدمات الخارجية، إذا كانت المؤسسات العسكرية لا تستطيع حقاً رعاية المراكز الثقافية. وأشار أن المراكز الكنفوشيوسية تم إنشائها في الولايات المتحدة، والراعي الرسمي لهذه المراكز هو المكتب الصيني اللغوي العالمي لتعزيز فهم اللغة والثقافة والأعراف الصينية، ولكن ماذا لو أصبح الجيش الصينى هو الراعي لهذه المراكز؟ هل سينظر الجمهور لها بنفس الطريقة! بالتأكيد الجمهور الأجنبي كان سينظر لها بطريقة مختلفة.

دعم وزارة الدفاع الأمريكية لجهود الدبلوماسية العامة ومكتب التأثير الاستراتيجي:

لا تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بمهام الدبلوماسية العامة، ولكنها تدعم جهود الدبلوماسية العامة وتنفذ عملياتها الخاصة بها لدعم المهام العسكرية. البنتاغون يلعب دوراً رئيسياً في توفير الدعم الأمني والتكتيكي واللوجستي لمهمات الدبلوماسية العامة، ولعله أكثر انخراطاً في هذه الجهود في مناطق النزاع التي تعتبر غير آمنة للأنشطة المدنية الروتينية. بناء على ذلك ففي ظروف محددة ربما يتم استدعاء الجيش للتخطيط اللوجيستي والتوقيت والميزانية والأمن لدعم مهام الدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية. هذه العملية تكون تعاونية ومتوافقة مع احتياجات سفير منطقة ما، وكذلك متوافقة مع الأهداف الاستراتيجية العسكرية. فبالتأكيد الدعم العسكري ضروري في مناطق الصراع التي لا تعتبر آمنة للمدنيين للقيام بمهامهم.

قام الجيش الأمريكي بمحاولات عديدة لتسمية هذه العملية، على الرغم من ذلك تلقت هذه الجهود انتقادات لاذعة للدعاية المفترضة وفقدان الشفافية والسرية والتصنيف الذي يطعن في مصداقية جهود وزارة الدفاع. على سبيل المثال تم تأسيس دعم وزارة الدفاع لجهود الدبلوماسية العامة عام 2006 لتعزيز سياسات الولايات المتحدة الخارجية من خلال فهم وإعلام والتأثير على الجمهور الأجنبي وصانعي الرأي العام، ولتوسيع الحوار بين المواطنين الأمريكيين والمؤسسات الأمريكية ونظرائهم في الخارج. كان الهدف تشكيل شراكة قوية مع وزارة الخارجية والوزارات الأخرى، للمساعدة في صنع صورة عملية عامة للدبلوماسية العامة. وتم إغلاق المكتب في ربيع 2009 وسط اتهامات بالافتقار للشفافية وتجاوز حدود ولايته. كان ضباط الجيش الأمريكي في أفغانستان مستائين من نقاط الحوار الصادرة من المكتب بخصوص المسائل المثيرة للجدل مثل الضحايا المدنيين. وأفادت التقارير أنهم توقعوا أن تكون هذه الأخبار للجمهور الأفغاني بمثابة الدعايا السافرة، ورفضوا استخدامها.

قبل دعم وزارة الدفاع لجهود الدبلوماسية العامة، كان هناك مكتب التأثير الاستراتيجي OSI الذي أسس بعد 11 سبتمبر ثم أُلغي عام 2002 بعد تردد الشائعات بأنه يهدف إلى توفير معلومات مضللة وإشاعات لمصادر الإعلام الأجنبية، ولمعاقبة من نقل رسائل خاطئة.

قيود الميزانية:

بالتأكيد هناك قيود على إنشاء مؤسسات جديدة للدبلوماسية العامة. فمنذ نهاية الحرب الباردة اعتمدت حكومة الولايات المتحدة على القوات العسكرية لتكون الواجهة في الصراعات الخارجية. أدى إلغاء وكالة الاستعلامات الأمريكية USIA في 1999 إلى ترك فراغاً في السياسة العامة شغلته وزارة الخارجية الأمريكية بميزانية صغيرة نسبياً. بالإضافة إلى أن مصطلح "الحرب العالمية على الإرهاب" وسع نطاق الأنشطة التي يمكن أن تعمل تحت ميزانية وزارة الدفاع المحددة تحت البند 10 في القانون. وقد أدى هذا لخلل ضخم في الميزانية بين وزارتي الدفاع والخارجية.

أشار وزير الدفاع السابق روبرت جيتس في خطاب سنة 2007 أن ميزانية وزارة الدفاع تقريباً نصف ترليون دولار (بدون مصاريف الحرب في العراق وأفغانستان) بينما ميزانية وزارة الخارجية 36 مليار دولار. وقد اتسعت هذه الفجوة منذ سنة 2007 فقط. قدرت ميزانية وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية USAID في 2011 بـ 52.8 مليار دولار، وميزانية وزارة الدفاع 708.2 مليار دولار. أفضل تقدير لميزانية الدبلوماسية العامة للسنة المالية 2010 حوالي 1.3 مليار دولار والميزانية المطلوبة لسنة 2011 كانت أيضاً حوالي 1.3 مليار دولار. إنه مثير للإعجاب كيف تسير الأمور، باعتبار أن هذه الأموال تنفق على مجموعة متكاملة من الأنشطة، تتضمن الجهود الدبلوماسية والبرامج الاستشارية والتعليمية والتبادلات الثقافية ومراكز دراسات الشرق والغرب.

هناك جدال مستمر حول ما إذا ما كانت وزارة الخارجية على استعداد لاستقبال تدفق تمويل ضخم. صرح مارك ديفيدسون أحد مسئولي وزارة الخارجية في مقابلة صحفية أنه يعتقد أن كل دولار يتم إنفاقه سيكون أكثر تأثيراً من خلال وزارة الخارجية ليس فقط من خلال تمويل مسئول ذو مصداقية، ولكن من خلال دعم استخدام خبراء على قدر عالي من التدريب الذين لديهم فهم عميق للثقافات واللغات الأجنبية.

من جهة أخرى عبر براين كارلسون Brian Carlson الموظف بوكالة الاستعلامات USIA سابقاً عن قلقه من أن وزارة الخارجية ستكون قادرة على استيعاب تدفق المزيد من الأموال لبرامج الدبلوماسية العامة. وأشار إلى أن أي زيادة في الميزانية الخاصة بالدبلوماسية العامة سوف تحتاج أن يرافقها قيود واضحة حتى لا يتم استغلال التصريح بالنقص الدائم في تمويل وزارة الخارجية لإنفاق الميزانية في أغراض أخرى كاللوازم المكتبية وغيرها.

مستقبل الدبلوماسية العامة :

في محاضرة ألقاها سنة 2010 في جامعة كانساس، أعرب الأدميرال مايك مولين عن أهمية استخدام القوة العسكرية جنباً إلى جنب مع أدوات القوة الناعمة، وقال:" خوفي، بصراحة تامة، هو أننا لا نتحرك بسرعة كافية في هذا الصدد. لا تزال السياسة الخارجية للولايات المتحدة تهيمن عليها القوة العسكرية بشكل مفرط، كما تعتمد أيضاً على الجنرالات والأدميرالات الذين يقودون العمليات الخارجية. أن تكون مستعداً وجاهزاً للتدخل في حالة الطوارئ شيء وأن تكون مسئولاً دائماً عن إطفاء النيران شيء آخر تماماً (يقصد أن الجيش ليس عليه التدخل في جميع الأزمات). وقد دعم وزير الدفاع روبرت جيتس ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أيضاً فكرة توسيع استخدام أدوات القوة الناعمة داخل سياسات حكومة الولايات المتحدة.


هناك ثلاث قضايا يجب حلها من أجل تطوير جهود الدبلوماسية العامة بين وزارتي الخارجية ووزارة الدفاع:

(1) يجب على المجتمع بين الوكالات inter-agency community تحديد نوع الآلية المؤسسية التي تُجري نشاطات الدبلوماسية العامة.

(2) يجب حل الخلل في الميزانية وفقاً لذلك.

(3) يجب أن تكون هناك دراسة متأنية لنوع الصورة التى تريد الولايات المتحدة أن توصلها للجماهير المختلفة، وعمن يوصل هذه الصورة مدنيين أم عسكريين.

إنشاء آليات مؤسسية جديدة للتعامل مع الدبلوماسية العامة:

تعد أحد أسباب توسيع قدرات الدبلوماسية العامة التابعة لوزارة الدفاع هو أن وزارة الدفاع تسد الفراغات في قدرات حكومة الولايات المتحدة. في ظل غياب التمويل الكافي لجهود الدبلوماسية العامة في المنظمات المدنية، تقوم وزارة الدفاع بتعويض هذا العجز عن طريق زيادة قدراتها الخاصة. ومع ذلك فإن القدرات العسكرية، ليست بديلاً فعالاً لمشاركة المدنيين والخبراء.

هناك ثلاثة خيارات لكيفية زيادة قدرات الدبلوماسية العامة داخل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية:

1.     إعادة إنشاء وكالة الاستعلامات الأمريكية USIA ككيان مستقل وتطويره ليناسب القضايا الحديثة، مثل مكافحة التطرف.

2.     زيادة قدرات الدبلوماسية العامة داخل وزارة الخارجية، وإنشاء منظومة دبلوماسية عامة أكثر قوة وتخصصاً.

3.     إنشاء مؤسسة مستقلة، مثل FFRDC (مراكز البحوث والتنمية الفيدرالية) التي من شأنها أن تساعد على تسهيل جهود الدبلوماسية العامة، على أن تكون الدبلوماسية العامة رسمياً تابعة لوزارة الخارجية.

الخيار الأول، إعادة إنشاء وكالة الاستعلامات الأمريكية USIA فذلك له مزاياه، فهي ككيان يحتفظ  بمسافة بعيداً عن السياسات الخارجية قصيرة الأجل، وأيضا تعد بمثابة كياناً حاسماً في دمج الأدوات المدنية والعسكرية. وقد اشتملت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة راند على ما يلي: "إذا لم يمكن فصل أعمال وكالة الاستعلامات الأمريكية عن وزارة الخارجية من خلال العمل الإداري، فإنه يجب على الكونغرس إعادة وكالة الاستعلامات الأمريكية وتمويلها بشكل كاف، وتمكينها من استخدام والاستفادة الفعالة لوسائل التواصل والتعليم الحديثة.

الاقتراح الثاني، تعزيز قدرة الدبلوماسية العامة داخل وزارة الخارجية للتماشي مع الجهود التي تبذلها جوديث مكهيل Judith McHale، وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة. في مارس 2010، قالت أنها أعدت خمسة أهداف لشئون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، والتي شملت صياغة الرواية، وتعزيز العلاقات في الخارج، ومكافحة التطرف، وزيادة التنسيق بين الأهداف السياسية.

الخيار الثالث هو تشكيل كيان أصغر أو مراكز تابعة للحكومة الفيدرالية FFRDC لإجراء البحوث ونشر المواد المتعلقة بالدبلوماسية العامة الأمريكية، حيث سيكون ذلك بمثابة حل وسط في حالة عدم وجود إرادة سياسية أو ميزانية لإنشاء كيان جديد مشابه للاستعلامات الامريكية.

موازنة الميزانية:

طرح مارك ديفيدسون، مسؤول الشئون العامة في إسلام آباد، بعض الأسئلة الهامة حول التفاوت بين ميزانية وزارة الخارجية ووزارة الدفاع. وقال: "نحن (رأي شخصي) نضر أنفسنا بسبب زيادة تمويل وزارة الدفاع وضعف تمويل وزارة الخارجية في هذا الشأن. فهذا يضعف المصداقية ويؤثر على قضايا أساسية تتعلق بالهوية الأميركية أيضاً. فهل نحن مثل روما القديمة قوة عظمى عسكرية نتفاعل مع العالم من خلال قواتنا العسكرية؟ أم أننا دولة مختلفة عن ذلك؟".

فصل جهود الدبلوماسية العامة بعيداً عن الاعتماد على الميزانيات والمهمات العسكرية وتحويلها إلى برامج طويلة الأجل تديرها وزارة الخارجية سيكون جزءً مما يساعد على سحب الولايات المتحدة وحلفائها من الصراع، وسيزيد ذلك من شرعية هذه البرامج، وضمان استمرار جهود الدبلوماسية العامة بعد انتهاء المهمات العسكرية.

هذا التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها، فقد ظلت وزارة الدفاع عقد من الزمان تصنع قدرات وعمليات معلوماتية قوية. إلغاء هذه البرامج جملةً وتفصيلاً سيكون مضيعة تامة لجهود مفيدة، لذا فإن السؤال المطروح لا يجب أن يكون هل ستكون وزارة الدفاع أكثر قدرة أم لا، بل يجب أن يكون هل سيستمر هذا الاتجاه في المستقبل، أم سيتم الانتقال تدريجياً إلى وزارة الخارجية.

تحقيق التوازن بين التفاعل المدني والعسكري مع الجماهير الخارجية:

بالتأكيد يمكن لأنشطة وزارة الدفاع ووزارة الخارجية أن تتداخل. ففي العمليات القتالية أو المناطق غير الآمنة، قد تضطر وزارة الدفاع إلى تنفيذ أنشطة الدبلوماسية العامة بحكم الضرورة، حيث أن المنظمات المدنية لن تكون قادرة على القيام بنشاطاتها المعتادة في تلك الظروف.

 

ويتساءل مارك ديفيدسون المسئول الإعلامي في باكستان: "في هذا اليوم وهذا العصر حيث كثير من الناس في العالم يعتقدون أن الطائرات والعسكريين يقتلون المسلمين، هل الشخصيات العسكرية هم الأكثر فعالية ومصداقية للتأثير على الناس!"، ووضح أنه يعتقد أن الحكومة الأمريكية تصنع خطئاً كبيراً ليس عن قصد ولكن من دون قصد.

 

ماذا يعني أن يكون تمثلينا في الخارج عن طريق وجود عسكري؟ قال الكولونيل أيرز Ayers أنه يعتقد أن تمثيل الدبلوماسية العامة عن طريق ذوي الزي العسكري ليس بالقضية الكبيرة. وقد أشار أنه خلال الفترة التي قضاها في كمبوديا كانت وحدته تدعم ثلاث منظمات غير حكومية NGO، وأنه لم يرتدي زياً عسكرياً ولا حمل سلاحاً أثناء ذلك. وبالمثل، خلال الوجود العسكري في هاييتي، كان الجنود مسلحين لكنهم لم يرتدوا خوذات. و يشير أيرز إلى أن سبب وجود القوات العسكرية في أفغانستان والعراق، أنها لا تزال مناطق صراع، وأن الوجود العسكري في جميع المناطق التي لا تعتبر مناطق صراع، كان بناءً على طلب من وزارة الخارجية وفقاً لإرادة السفير والخطة الاستراتيجية للبلاد كما قال.


الجنرال "كيب" وارد، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)

 

الخلاصة: 

تعتمد العمليات المعلوماتية العسكرية والعمليات النفسية على الاعتقاد بأنه يمكن تغيير المستقبل من خلال التأثير على الجماهير الأجنبية. بينما الدبلوماسية العامة التي تتم بواسطة وزارة الخارجية ترعى مفهوم أنه لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، ولكن يمكن التحضير له من خلال البرامج التعليمية والتبادل الثقافي.

قد تكون الولايات المتحدة قد اخترعت العلاقات العامة، ولكننا لسنا دوماً فعالين في الاتصالات الاستراتيجية. ونقلت صحيفة تساؤل عن دبلوماسي أجنبي: كيف استطاع رجل واحد معزول في كهف من التفوق في التواصل مع أكبر مجتمع معلوماتي في العالم؟ فالجواب معقد، ويكمن في التكامل والتمايز في أنشطة الدبلوماسية العامة في مختلف مؤسسات الحكومة الأمريكية.

على عكس الحروب القديمة مثل الحرب العالمية الثانية حيث كانت الدول إما في حالة الحرب أو السلام، فإن الصراعات الحديثة مستمرة، وفي بعض الحالات تتجاوز الحدود المحلية. بسبب تركيز وزارة الخارجية على المدى الطويل، فإنها في موقف إيجابي لتنسيق "حكومة كاملة" بنهج الاتصال الدولي. فالمشاكل متعددة الجوانب و يجب أن تكون الحلول كذلك.

في إشارة إلى الحروب في العراق وأفغانستان واستخدام "القوة الناعمة"، قال الأدميرال مايك مولين Mike Mullen: "سوف نفوز، ولكننا سنفعل ذلك فقط مع مرور الوقت وبعد إعادة التقييم والضبط بمعدل ثابت. وبصراحة تامة، سوف يشعر الكثير أن الأمر أقل بكثير من ضربة قاضية وأنه أشبه كثيراً بالتعافي من صراع طويل مع المرض".

الفهم المتبادل لثقافة وعادات الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يساعد في تجنب الصراعات المستقبلية ومن المهم معالجة هذه المسألة بإصرار مع الشعور بالضرورة الملحة لذلك. تعد سياسات الدبلوماسية العامة التي تنفذها وزارة الخارجية (أو منظمات شبيهة بوكالة الاستعلامات الأمريكية) مع الدعم والتعاون المناسب مع الجيش الأمريكي جزءً مهماً جداً من الحل.